حَتـَّى لاَ نُـدمِـنَ الضّــوء....



مِسكينَةٌ هِيَ أقلاَمُنَا التي لاَ نَكُفُّ عَن تَجفيفِ عُروقِهَا فِي سَبيلِ استِخلاصِ حَرفٍ  نُنَوِّمُ بِهِ ضَمَائِرَنَا....

بَل هِيَ مِسكينَةً أكثَر عِندَمَا تُودِّعُ آخر قَطرَة مِن عُرُوقِهَا دُونَ أن يَبزُغَ أيُّ بَصيصِ حَرفٍ يَجعَلُ لِهَذَا الوَدَاعِ  طَعمًا "إنسَانيًا" على الأقَل إن لَم نَجرُأ عَلى القَولِ "رُومَنسياً " عَلى الأكثَر...

كَم هِيَ قَاسِيَةٌ تِلكَ التَّضحِيَة التي تَعجَزُ عَن مُواسَاةِ صَاحِبِهَا...

ذَلِكَ كُلُّ مَا أصبَحنَا  نُجيدُ ه  نَحنُ الذين عَقَدنَا مُنذُ مَولِدِنَا "اتِفَاقيّةِ " قُبُول غَير مَشرُوط لِكلِّ مَا تُصَادقُ عَليهِ الأضواء في مَشَاريعِهَا الهَادِفَة لاستِثمَارِ مَوَارِد النّظَر عِندَنَا..
كَيفَ لاَ وَ هي التي تَفي دَائماً بِوُعُودِهَا بإرضَاء الجَميع كلٌّ حَسَب  َنَبَاهَةِ  مَواردِه دُون أن تُقسي أحداً مِن الغِلَّة السّاطِعَة..

حتّى أنَّ أبصَارنَا تَبَرمَجَت أمَامَ هَذِهِ الرّفَاهيّة السّهلَة بأن لاَ عَالَم آخر قَد يَستَحقُّ اكتِشَافَنا خَارِجَ نِطَاقِ مَا ترسُمُهُ  هَذِهِ الإتّفَاقيّة ،وَ لاَ حَيَاةَ أخرَى يُمكِنُ أن تشُقَّ استِمرَارَهَا  في الظّل، وَ بالتَّالي لاَ استِعدَادَ لَهَا لِفَتحِ المَجَال لأيّ رَمشَة شُرُود تُوقِظُنَا مِن "جُحُوظِنَا المَذهُول"،وَ تُذكِّرنَا بأنّ الظّل الذي لَم يَحظَ يومًا بأكثر مِن تَجَاهُلِنَا  هُوَ مَن في الوَاقِعِ غَيرُ المُبَالي بِعَجزِ عُيُونِنَا عَن إبصَار مَا يُخفِيه...

لَكِن لِنَكُن واقعيين...

القَومُ الذينَ تَعَوّدُوا عَلى التصفيق كمُنعَكَس لا إرادي لأيِّ صَفعَةٍ تُدَاعِبُهُم ،وَ عَلَى التّخلِيد كَردّ فِعلٍ عَفوي لأيِّ طَعنَة تُعَانِقُهُم ، لاَ يُمكِنُ أن تُلاَمَ عُيُونُهُم إن انبَهَرت فَقَط  بالأشعّة التي تَوغّلَت بِعُنف في سَوَادِهَا ،مَا دامَت القَوَانين الرّائجَةُ هَذِهِ الأيّام لَيسَت التي تُخَاطِبُ عُقُولَ النَّاسِ بالحِكمَة بَل التي تَخلَعُهَا مِن مَكَانِهَا خَلعاً...

كُنتُ أدرِكُ أنَّ حَاسّة البَصَر" مَحدُودَةٌ" عِندَنَا لَكِنَّني لَم أكُن أدرِكُ أنّهَا مَحدُودَةٌ لِدَرجَةِ عَدَمِ قُدرَتِهَا عَلى التّمييزِ بَينَ القَوِي الذي لاَ يُهِمُّهُ تَحديقُنَا وَ الضّعيفِ الذي لَا يُجيدُ شَيئاً غَيرَ الإلتِصَاقِ بِجُفُونِنَا...

قَد يُحَاوِلُ أحَدٌ مِنّا الآن أن يَتَذَاكَى فَيَقُول:"الذي يَستَطيعُ أن يَحجِزَ مَكَانَه بِجَدَارَة فِي أفُقِ نَظَرنَا دُونَ أن يُنَازِعَهُ عَلَيهِ أحَد أحَقّ بِإعجَابِنَا مِن ذَلكَ الذي يَحيكُ مِن الغُمُوضِ سِتَاراً لِعَوَرَاتِهِ".

رُبّمَا سَيَكُونُ هَذَا الرَّأيُ مَولُودَ الجَميع مَادَامَ الجَميعُ مُؤمِنين بِمَبدَأ الإعتِرَاف فَقَط بِمَا يُشَابِهُهُم  وَ هُنَا يَتبَادَرُ سُؤال مَا جَدوَى اختِرَاعِهم لتقنيّة "إثبَاتِ الأنسَاب" مَادَامَ إيمَانُهُم لاَ يَزَالُ إلَى الآن رَاسِخاً بِأنّ كُلّ تَشَابُه لا بُدّ وأن يَكُونَ مَرئيا وَ لاَ يُمكِنُ لأي تَشَابُه أن يُخفي نَفسَهُ في جُزَيئَات لاَ تَكشِفُهَا العَينُ المُجرّدَة كــ"دي أن آي" ؟

وَ هَذَا تَنَاقُض مُتَجَلٍّ  لِاستراتيجيّةِ  إدمَانِنَا  على الأضواء سَبَقَتهُ عِدّة تَنَاقُضات أكثَرَ بديهِيّة مِنه وَ أقرَبَ تَصَوّراً كَالعَقلِ الذي سَلّمنَاهُ مَفاتيحَ حَيَاتِنَا لِيَقُودَهَا حَيثُ يَشَاء دُونَ أن يَهتَمّ حَتّى أن يَترَاءى لَنا يوماً لِيُطَمئِننَا عَلَى الأقل،أو الرّوح التي كَدّسنَا فيهَا كُلّ أشوَاقِنَا وَ قِيَمِنَا وَ أطمَاعِنَا وَ طَفرَاتِنَا دُونَ أن تَكشِفَ لَنَا يَوماً حَجم استيعَابِها..

إذَن أيُّ خَلَل هَذَا الذي يَستَطيعُ أن يُقنِعَ أبصَارَنَا  بأن لا تَقتَنِعَ إلاّ بـ "الكَائنَاتِ الضّوئيّة" دُونَ أن تُشيحَ بنَظَرِهَا أيّ احتِمَاليّة لانقِطَاعٍ مُفاجىء للتيّار..

لَكأنَّه نَفسُ الخَلَلِ الذي لاَزَالَ يُقنِعُ أحمَقاً يِأن يخشى أسداً مُقيّدا في حَديقَةِ حَيوَانَات أكثَر مِمّا يَخشَى "فَيروساً" يَعبَثُ بِجِهَازِ مَنَاعتهِ..
!!!
إقرأ المزيد